بقلم: عبدالواحد السماعي
مقدمة
المهمشون هم فئة من المجتمع اليمني، ويُطلِق عليهم المجتمع لفظا سلبيا وهو “الأخدام”، وهي الفئة التي تعرضت وما زالت تتعرض لأكبر استهداف وتمييز وعنصرية ممنهجة عبر التاريخ، إذ لم يتم معاملتهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية فقط، بل ربما يمكن القول إن الوضع يصل في بعض الأحيان إلى اعتبارهم غير مواطنين أصلا.
يعيش المهمشون على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في اليمن، وهو الأمر الذي دفعهم إلى الانزواء والعيش في تكتلات بشرية شبه منعزلة، ويعيشون غالبا في تجمعات استيطانية تتكون من الأكواخ المبنية من القش أو الصفيح أو غيرها من المواد الرخيصة، كما أنهم عرضة للأمراض والأوبئة الفتاكة؛ نتيجة للوضع المزرى الذي يعيشونه بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا وسائل وقاية، ولا غذاء نظيف، ولا نظام صرف صحي، كما أنهم محرومون من الخدمات الصحية والتعليمية.
لا توجد إحصائيات رسمية عن حجم هذه الفئة، لكن الأمم المتحدة أفادت أن هناك حوالي 3.5 مليون مهمش في اليمن
معلومات مغلوطة
تنتشر بعض الشائعات عنهم أنهم غير أخلاقيين وأساطير أنهم يأكلون أمواتهم، وانهم يمارسون مهنة التسول حتى مع عدم الحاجة لبعضهم. منذ زمن بعيد والروايات والقصص الغريبة الممزوجة بشيء من الخرافة تتزايد حول حياة الأخدام، وطرق معيشتهم وعاداتهم الاجتماعية وتقاليدهم وطقوسهم الخاصة الدينية وحتى الأخلاقية.
وينفي عبد الله سعد الجمل 32 سنة وبشدة ما يشاع حول فئة المهمشين من أنهم لا يدفنون موتاهم ويقول ” إن ما يشاع ويكتب أحيانا في الصحف من أن الأخدام يطبخون موتاهم ويأكلونهم كذب وادعاء باطل مثله مثل الادعاء بأنهم يتبادلون زوجاتهم وأولادهم هذا كلام غير منطقي ولا يدخل عقل أحد”
الأمثال الشعبية التي تتطرق إلى المهمشين في اليمن أبلغ دليل على مدى هذا التمييز، ولعل أقساها تلك القائلة “من ساير الخادم بات نادم” أو” إذا لعق كلب طبقك فنظفه، لكن إذا مسّه خادم فاكسره”.
هناك فيديو نشر على اليوتيوب يسلط الضوء على إشاعات متداولة لدى الوسط الشعبي إشاعة اكل المهمشين لموتاهم او التخلص منهم بطريقة غير سليمه لطالما سمعناها ولطالما أخبرها الكثير لأطفالهم. الفيديو يوضح الحقيقة خلف هذه الاشاعات بالدلائل وبلسان المهمشين أنفسهم.
https://youtube.com/watch?v=YAUs6ZxGzB8%3Ffeature%3Doembed
التمييز الاجتماعي ودوره في عملية التسرب من المدارسهناك العديد من الأطفال يعزفون عن الدراسة فمنهم من لم يلتحق بالتعليم من الأساس واخرون تسربوا من المدارس لأسباب عده من ضمن الأسباب هو التمييز الاجتماعي هناك علاقة قوية نسبياً بين التسرب من المدرسة وبين التمييز الاجتماعي والتنمر الذي يحصل على أبناء هذه الفئة في المدراس. حيث وجدنا بعض الأطفال كانوا يدرسون ولكنهم تركوا المدرسة بسبب التعرض لهم من زملائهم بألفاظ مثل يا خادم
يقول سلوم عمر 38 عام من سكان مخيم سعوان كثيرا ما تعود ابنته التي تدرس في الصف الثالث من المدرسة وهي تشكي بان زميلاتها ينادونها يا خادمة هذا الامر يجعلها تكره المدرسة، ويضيف انه ذهب الى المدرسة ليحكي للأستاذ بالموضوع ولكن كان رد الأستاذ صادم وغير متوقع حيث قال ايش الغريب في الموضوع هي فعلاً خادمة ليش تزعل من هذا الامر.
ايضاً تقول خلود عبد الله 28 عام من سكان مخيم الحصبة، ان أحد أبنائها درس الى الصف الثاني وبعدها رفض الذهاب الى المدرسة بسبب مناداته طوال الوقت بلفظ يا خادم من قبل زملائه، بالإضافة الى انه مده العامين التي درس فيها الولد لم يكن له هناك أي صديق وكل الطلاب في الصف كانوا يتجاهلونه وبعدها رفض تماما الذهاب الى المدرسة، وتقول خلود انه عندما حاولت مع ابنها ان تجبره على الذهاب الى المدرسة كان يبكي بحرقة ولا يريد الذهاب.
يقول مسعود عبد الرحيم 29 عام من سكان مخيم الحصبة رفض مدير المدرسة تسجيل ابنتي بحجة انه لا يوجد هناك مقاعد وأخبرني انه يجب عليا ان ابحث عن مدرسة أخرى لتسجيل البنت فيها، مع العلم ان المدرسة كانت تقبل طلاب اخرون، وعندها ذهبت الى قسم الشرطة وتكلمت مع مدير القسم وقام بالاتصال بمدير المدرسة وبعدها تم الموافقة وسجلت ابنتي في المدرسة نفسها وتوفر المقعد بعد ان كان لا يوجد أي مقعد بتاتا حسب كلام المدير.
الكثير غادروا المدارس لأنهم عاشوا في عزلة جراء الممارسات التي توصف بالعنصرية يقوم خالد حسين ان مدرسة زينت في حي دار سلم قامت بفصل التلاميذ من فئة المهمشين عن غيرهم من الطلاب وخصصت لهم فصول دراسية خاصة، عندما حاولت استيضاح الامر من مدير المدرسة حول حقيقة فصل الطلاب المهمشين عن غيرهم لم أستطع الوصول الية بحجة انه مسافر.
وتقول الباحثة الاجتماعية والنفسية هند ناصر ان التصرفات العنصرية تجاه فئة المهمشين مشكلة قديمة جدا ولكنها زادت في الفترة الأخيرة وتقول لقد اثرث الحرب بشكل كبير على فئات المهمشين بسبب غياب سلطات الدولة الثلاث التي تحفظ حقوق المواطنين بشكل متساوي ، وتضيف ان المهمشين في كافة أنحاء اليمن وليس في صنعاء فقط يعانون بشده من نظره الاحتقار التي يرونها في عيون افراد المجتمع تجاههم بسبب لون بشرتهم والمهن الدونية التي يعملون بها وهذا الامر يؤثر بشكل كبير في نفسياتهم ويدفع معظمهم الى تفضيل العزلة على الاندماج مع المجتمع المحيط ، ويدفع الطلاب منهم الى التسرب من المدارس.
من ضمن التحيزات الاجتماعية التي تؤثر على فئة المهمشين ما يتعرضون له من قسوة من سائقي باصات الأجرة فهم يرفضون ان يركب معهم أحد من الطلاب من فئة المهمشين حيث انهم يعتقدون انهم لا يدفعون.
يقول الأستاذ نعمان الحذ يفي رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين ليس الموضوع عدم دفع الأجرة الموضوع لون البشرة ويستدل بالقول لو اتى أحد الطلاب من ذوي البشرة البيضاء وقال لصاحب الباص ليس لدي لا دفع ما تردد السائق لحظة وقال له اصعد، ولكن لو كان من ذوي البشرة السوداء لن يرفض ان يقله فقط بل قد يتلفظ علية بألفاظ نابية.
ويضيف الاستاذ نعمان الحذيفي حتى الأشخاص الذين تلقوا التعليم وتخرجوا من الجامعات من هذه الفئة لا يحظون بفرص عمل مناسبة برغم قدرتهم وكفاءتهم لنيل هذه الفرص هذا يؤثر سلبا على الأجيال القادمة عندما يشاهدون من درس وتعلم ونجح مازال في النفس الوضع الي هم فيه، يجعلهم لا يفكرون بالتعليم نهائياً.
دور حكومي غائب
دور السلطات والمجتمع بشكل عام لتلك الفئة هو التهميش تماماً وإن وجدت بعض المبادرات التي تهتم لشأنهم حسب امكانياتهم إلا أنها تبقى أقل من القليل فيما يحتاجونه من متطلبات وفي إيجاد حقوقهم الضائعة. عزلوا أنفسهم لعدم تقبل المجتمع لهم، بل وتبرمجت أدمغتهم للنظر لذاتهم بدونية وأنه أقل من أن يكون إنسان طبيعي وذي حق في العيش بحياة كريمة نظيفة وآمنة.
هناك غياب للدور الحكومي على تسهيل الخدمات التعليمية لقبول الطفل المتقدم للتسجيل بالمدرسة لان أغلب الأطفال لا يملكون وثائق تثبت ميلادهم لظروف مختلفة وأغلب الأسر التي تمت مقابلتها أخبرتنا أن وثائقهم قد احترقت وإما تلفت جراء السيول والأمطار وفي سعي جديد للحصول على شهادات ميلاد جديدة ولكن الظروف السيئة من اغلاق للهجرة والجوازات والتي أدت إليها الحرب حالت بينهم وبين الحصول على وثائق ميلاد جديدة.
الاهتمام بالتعليم لهؤلاء، فمن واقع ملموس رأينا إن التعليم أقرب الطرق للاندماج، ولتغير نظرة المجتمع للمتعلم وتقبله إلى حد كبير، وهذا الاهتمام يتطلب توعية في أوساطهم بأهمية التعليم، وإنشاء مدارس في أماكن تجمعاتهم، وتسهيل الصعوبات التي تواجه الكثير من الأسر منهم في تعليم أبناءهم، والحرص من الكوادر التعليمية التي يدرس فيها الطلبة السود على مكافحة التنمر لأنه أهم الأسباب التي تؤدي إلى نفور الصغار السود من التعلم.
مبادرات للحد من التسرب
(التمكين الاجتماعي للمهمشين) تأتي هذه المشاريع ضمن إطار مبادرة أوسع تقوم بها اليونيسف وهي النموذج المتكامل للدعم والتمكين الاجتماعي والاقتصادي (IMSEA) يعمل أفراد اللجان المجتمعية والمتطوعون المنتمون لهذه الفئة السكانية، والذين استفادوا من “أنشطة التدريب الشاملة لليونيسف حول المشاركة المجتمعية”، على تحفيز وتشجيع الأطفال للالتحاق بالفصول الدراسية من خلال مبادرة الحق في التعليم.
يعمل أحمد منصور عضوا في إحدى اللجان المجتمعية، حيث ساهم في العديد من الأنشطة المقامة ضمن الحملات الأسبوعية الهادفة لرفع مستوى الوعي لدى أولياء الأمور حول أهمية النظافة، وأهمية تعليم الأطفال، والرعاية الصحية، ورعاية الحوامل، والحاجة إلى وجود مدخرات أسرية، وأهمية العمل المجتمعي.
وعن مساهمته في رفع الوعي والمبادرات المجتمعية في محيطه المجتمعي، يقول احمد ” تطوعت للعمل مع بعض الأصدقاء، وقمنا بإنشاء فصل صغير في الحي لتحفيز الأطفال على التعلم. يستوعب الفصل 110 طالباً من كلا الجنسين لأنهم يتوقون للتعلم والدراسة. كان العديد من هؤلاء الأطفال يقضون يومهم في الشوارع في البحث عن علب بلاستيكية وألومنيوم فارغة لبيعها كخردة لأن آباءهم لم يتمكنوا من تحمل تكاليف الدراسة بفضل أنشطة التوعية التي قمنا بها التحق حتى الآن حوالي 341 طفلاً بالدراسة.
دراسات سابقة
يقول احمد منصور هناك دراسة توضح تأثير الوصمة الاجتماعية على تسرب الاطفال من المدرسة قامت بها مؤسسة الحقوق المتساوية اسم الدراسة ” غربلة الحبوب ” تحتوي هذه الدراسة على 6000 شهادة عن التمييز وعدم المساواة في اليمن، وتتطرق الى موضوع المهمشين وتأثير الوصمة على تسربهم من المدارس.
رابط الدراسة HTTPS://WWW.EQUALRIGHTSTRUST.ORG/ERTDOCUMENTBANK/SIFTING%20THE%20GRAIN%20ARABIC.PDF
أطلقت اليونيسف سنة 2014 مسحا للترسيم لتساعد في استهداف الاحتياجات الضرورية للمجتمعات المهمشة كانت نتائج المسح مؤلمة: حيث كشفت عن مستويات عالية من الفقر مصحوبة بمعدلات متدنية من المعرفة بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس. فطفل واحد من كل 15 طفلا فقط يستطيع القراءة من فئات المهمشين، ونصف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 -17 سنة ينتظمون في المدارس. كما أن منزلين من كل 5 منازل فقط فيها حمام.
نماذج نجاح
يسرد محمد عمير17 عام أحد الطلاب المهمشين تجربته الدراسية في احدى المدارس الحكومية “مدرسة عمر المختار ” محمد يدرس حالياً في الصف الأول الثانوي، يقول محمد لقد واجهت العديد من الصعوبات والتحديات خلال مشواري الدراسي وتعرضت للكثير من المضايقات والالفاظ العنصرية من زملائي الطلاب في الصف ومن المجتمع المحيط لكني، صبرت وتحملت لكي احقق حلم والدي في انهاء التعليم والحصول على الشهادة الجامعية
يقول محمد بالصبر والاجتهاد استطعت ان افرض وجودي داخل الصف المدرسي وداخل المدرسة كلها، حتى كسبت احترام الجميع، لقد أصبحت عضوا في الكشافة في المدرسة واحد لاعبي كرة القدم في فريق المدرسة، حصلت على ميدالية فضية وحققت أفضل لاعب على مستوى مديرية شعوب
نحنُ المُهمَّشون، نحنُ البدائِل، نحنُ المُساء بنا الظن دومًا، نحنُ أصحاب الاعتذارات على الأشياء التي لم نفعلها، نحنُ تبريرات على أخطاء لم نرتكبها، نحنُ الجانب السهل والطريق المُمهد والشمَّاعات المُهملة، نحنُ المُنتهزون كالفُرص والضائعون بلا ملجأ، والمُتهمون بلا اعترافات أو براهين، نحن الشعور بالذنب والندم ومنتصف الطُرق، نحنُ العتمة المُصطنعة، نحنُ الأيادي المتروكة والقلوب المخذولة، نحن الصدور التي لا يعلم بزحام الألم فيها إلاَّ اللَّه